الرد على الشبهتين :الفرق بين الحديث القدسي و الحديث النبوي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اولا وقبل البدا في طرح الشبهة و الاجابة عليها نعرف ما معنى الحديث القدسي و الحديث النبوي
ثم نبين الفرق بينهم
الحديث النبوي :
الحديث في اللغة: ضد القديم ,ويطلق و يراد به كل كلام يتحدث به و ينقل و يبلغ الانسان من جهة السمع او الوحي في يقظته او منامه,وبهدا المعنى سمي القران حديثا:"و من اصدق من الله حديثا" (1) ,و يسمى ما يحدث به الانسان في نومه : " وعلمتني من تاويل الاحاديث " (2)
و الحديث في الاصطلاح :ما اضيف الى النبي صلى الله عليه و سلم من قول او فعل او تقرير او صفة.
فالقول : كقوله صلى الله عليه و سلم :" انما الاعمال بالنيات,و انما لكل امرئ ما نوى ..." (3)
و الفعل : كالذي ثبت من تعليمه لاصحابه كيفية الصلاة ثم قال : "صلوا كما رايتموني اصلي "(4), و ما ثبت من كيفية حجه , وقد قال :"خذوا عني مناسككم "(5).
و الاقرار : كان يقر امرا علمه عن احد الصحابة من قول او فعل .سواء اكان ذلك في حضرته صلى الله عليه و سلم ,ام في غيبته ثم بلغه ,و من امثلته : " اكل الضب على مائدته صلى الله عليه و سلم ","
و ما روي من ان الرسول صلى الله عليه و سلم بعث رجلا على سرية ,وكان يقرا لاصحابه في صلاته فيختم ب "قل هو الله احد"(6)
فلما رجعوا ذكروا دلك له عليه الصلاة و السلام, فقال : سلوه لاي شيئ يصنع ذلك ?
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " اخبروه ان الله يحبه "(7).
والصفة :كما روي : " من انه صلى الله عليه و سلم ,كان دائم البشر , سهل الخلق, لين الجناب, ليس بفظ و لا غليظ و لا صخاب و لا فحاش و لا عياب .....".
الحديث القدسي :
عرفنا معنى الحديث لغة, و القدسي: نسبة الى القدس, و هي تدل على التعظيم, لان مادة الكلمة دالة على التنزيه و التطهير في اللغة, فالتقديس : تنزيه الله تعالى و التقديس : التطهير, و تقدس : تطهر, قال الله تعالى على لسان ملائكته :" و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك "(
اي نطهر انفسنا لك.
والحديث القدسي في الاصطلاح : هو ما يضيفه النبي صلى الله عليه و سلم الى الله تعالى, اي ان النبي صلى الله عليه و سلم يرويه على انه من كلام الله,
فالرسول راو لكلام الله بلفظ من عنده ,
و اذا رواه احد عن رسول الله مسندا الى الله عز و جل, فيقول : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه عز و جل.....".
او يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الله تعالى-او يقول الله تعالى....".
ومثال الاول : عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : " يد الله ملاى لا يغيضها نفقة سحاء الليل و النهار ...."(9).
و مثال الثاني : عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " يقول الله تعالى: انا عند ظن عبدي بي و انا معه اذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و ان ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منه....."(10).
الفرق بين الحديث القدسي و الحديث النبوي :
الحديث النبوي قسمان :
" قسم توقيفي " و هو الذي تلقى الرسول صلى الله عليه و سلم مضمونه من الوحي فبينه للناس بكلامه, و هذا القسم و ان كان مضمونه منسوبا الى الله فانه- من حيث هو كلام -حرى بان ينسب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم , لان الكلام انما ينسب الى قائله و ان كان ما فيه من المعنى قد تلقاه عن غيره.
و" قسم توفيقي" وهو الذي استنبطه الرسول صلى الله عليه و سلم من فهمه للقران, لانه مبين له, او استنبطه بالتامل و الاجتهاد.وهذا القسم الاستنباطي الاجتهادي يقره الوحي اذا كان صوابا, و اذا وقع فيه خطا جزئي نزل الوحي بما فيه الصواب(11) وليس هذا القسم كلام الله قطعا.
ويتبين من ذلك : ان الاحاديث النبوية بقسميها : التوقيفي ,و التوفيقي الاجتهادي الذي اقره الوحي, يمكن ان يقال فيها ان مردها جميعا بجملتها الى الوحي, و هذا معنى قوله تعالى في رسولنا صلى الله عليه و سلم :" وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "
والحديث القدسي معناه من عند لله عز و جل, يلقى الى رسول الله صلى الله عليه و سلم بكيفية من كيفيات الوحي- لا على التعيين. اما الفاظه فمن عند الرسول صلى الله عليه و سلم على الراجح و نسبته الى الله تعالى نسبة لمضمونه لا نسبة لالفاظه ,و لو كان لفظه من عند الله لما كان هناك فرق بينه و بين القران ,و لوقع التحدي باسلوبه و التعبد بتلاوته
ويرد على هذا شبهتان!
الشبهة الاولى : ان الحديث النبوي وحي بالمعنى كذلك, و اللفظ من الرسول صلى الله عليه و سلم فلمادا لا نسميه قدسيا ايضا ?
والجواب :
اننا نقطع في الحديث القدسي بنزول معناه من عند الله لورود النص الشرعي على نسبته الى الله بقوله صلى الله عليه و سلم "قال الله تعالى, او يقول الله تعالى" و لذا سميناه قدسيا, بخلاف الاحاديث النبوية فانها لم يرد فيها مثل هذا النص, و يجوز في كل واحد منها ان يكون مضمونه معلما بالوحي( اي توقيفيا ) و ان يكون مستنبطا بالاجتهاد (اي توفيقيا ) و لذا سمينا الكل نبويا وقوفا بالتسمية عند الحد المقطوع به, ولو كان لدينا ما يمييز الوحي التوقيفي لسميناه قدسيا كذلك.
الشبهة الثانية:
انه ادا كان لفظ الحديث القدسي من الرسول صلى الله عليه و سلم فما وجه نسبته الى الله بقوله صلى الله عليه و سلم
" قال الله تعالى, او يقول الله تعالى ".
والجواب:
ان هذا سائغ في العربية, حيث ينسب الكلام باعتبار مضمونه لا باعتبار الفاظه, فانت تقول حينما تنثر بيتا من الشعر: يقول الشاعر كذا وحينما تحكي ما سمعته من شخص :يقول فلان كذا, و قد حكى القران الكريم عن موسى و فرعون و غيرهما مضمون كلامهم بالفاظ غير الفاظهم, و اسلوب غير اسلوبهم, و نسب ذلك اليهم :
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ *قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ*
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ *قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ *فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ *قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ *وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ *َالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ *فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ *وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ .(13)
(1) النساء 87
(2) يوسف 101
(3) من حديث طويل رواه البخاري و مسلم عن عمر بن الخطاب
(4) رواه البخاري
(5) اخرجه مسلم و احمد و النسائي
(6) الاخلاص 1
(7) رواه البخاري و مسلم
(
البقرة 30
(9) اخرجه البخاري
(10) اخرجه البخاري و مسلم
(11) ومثاله ما كان في اسرى بدر, فان رسول الله صلى الله عليه و سلم اخد براي ابي بكر و قبل منهم الفداء, فنزل القران الكريم معاتبا له: ' ما كان لنبي ان يكون له اسرى' سورة الانفال الاية67
(12) النجم 3-4
(13) من دهب الى ان الحديث القدسي وحي باللفظ كدالك يجعل هدا فرقا اساسيا بينه و بين الحديث النبوي, و يبقى الفرق بينه و بين القران الكريم في عدم التحدي و عدم الاعجاز و عدم التعبد بتلاوته و عدم التواتر في معظمه -( و الايات من سورة الشعراء 10-24)