بسم الله الرحمن الرحيم
الاسلام والشعر
لا شك أن الشعر يصور الواقع دائما , وما فيه من معطيات يتأثر بها ويؤثر , فلقد تأثر الشعر والشعراء في صدر الاسلام بالدين الجديد واتخذوا منه مواقف متناقضة , كما أن القرآن الكريم اتخذ موقفا واضحا من الشعراء لا الشعر , حينما وصف شعراء المشركين الذين وظفوا شعرهم للهجوم على الدعوة و اضطهاد صاحبها الرسول الكريم ومن آمن معه بالضالين في قوله تعالى : (( والشعراء يتبعهم الغاوون , ألم تر أنهم في كل واد يهيمون , و أنهم يقولون مالا يفعلون الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا ))
وموقف القرآن الكريم واضح منالشعراء المشركين ومن الشعر من أجل تأكيد براءة الرسول الكريم من عالم الشعراء وقول الشعر , والتأكيد على أن الآيات هي معجزة كلامية تحدى بها فصحاء العرب والشعراء بالطبع , وليس ضربا من الشعر , لان فئة ظالمة كانت تشكك في نبوة الرسول وتغض من قيمة القرآن الكريم ولهذا كان لموقف القرآن الكريم من الشعر هذان المنحيان , فقال في نفي قول الشعر عن الرسول : (( وانه لتنزيل رب العالمين , نزل به الروح الأمين , على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ))
كما قال في نفي الشاعرية عن الرسول صلى الله عليه وسلم : (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ان هو الا ذكر وقرآن مبين )) .
كما أكد اعجاز الآيات بقوله تعالى : (( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله )).
والقرآن فرق في موقفه بين شعراء المشركين وشعراء المسلمين ولم يكن موقفه عدائيا من الشعر .
كما أن الرسول الكريم استمد موقفه من القرآن الكريم فقد اعجب بالشعر الحسن وتذوقه , فحين استمع الى شعر كعب بن زهير اعجب به فأثابه ببردته الشريفة . وروي أن الرسول عليه الصلاة والسلام جلس في مجلس ليس فيه الا خزرجي واحد فاستنشدهم شعر قيس بن الخطيب حتى بلغ قوله :
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا - - - - - - - كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
فالتفت ايهم رسول الله وقال : هل كان كما ذكر ؟ ( يبحث عن الصدق ) فشهد له ثابت بن قيس . فالصدق مطلب أخلاقي أراده الرسول في الشعر . وكره عليه الصلاة والسلام شعراء الشرك ونفر منهم واستعان بشعراء المسلمين ودعاهم أن يدافعوا عن الدين و أن ينشدوا بين يديه
وجعل الشعر سلاحا يدافع به حيث قال : ماذا يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم
ودعا الرسول الكريم الشاعر حسان بن ثابت الى الدفاع عن العقيدة والدين وهجاء المشركين حيث سمي حسان بن ثابت بشاعر الرسول لقوله
قال الله : قد أرسلت عبدا - - - - - - - يقول الحق ان نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه - - - - - - - فقلتم : لا نقوم ولا نشاء
فمن يهجو الرسول منكم - - - - - - - ويمدحه وينصره سواء
وللرسول رأي في الشعر فهو لخدمة المجتمع و ابراز الفضائل وله تلك الوظيفة الجمالية والأخلاقية معا حين قال : ان من البيان لسحرا و ان من الشعر لحكمة . فحسن الشعر في نظره كحسن الكلاموقبيحه كقبيح الكلام . كما الفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة ولذلك قبل عيله الصلاة والسلام أن يمدح بالشعر ويثيب عليه وقد قال فيه : انه - أي الشعر - ديوان العرب
وان موقف الرسول الكريم الايجابي من الشعر يتناقض مع رأي ابن خلدون وابن سلام الجمحي . فلقد زعم ابن خلدون انصراف العرب عن الشعر أول الاسلام حيث قال : انصراف العرب عن الشعر أول الاسلام لما شغلهم عن أمر الدين والنبوة والوحي .
ولا شك أم رأي ابن خلدون لا يتسق مع منطق الأشياء ولم يسكت الشعراء في صدر الاسلام عن قول الشعر كما زعم . وابن سلام الجمحي قبل ابن خلدون قد ذكر أيضا أن العرب تشاغلوا عن الشعر عن الشعر بالجهاد و رأيه مرفوض كذلك حيث قال : فجاء الاسلام وتشاغلت عن الشعر العرب , تشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ولهت العرب عن الشعر وروايته
و أخيرا فان الاسلام لم يرفض الشعر ولم يتصد للشعراء بل وقف ضد شعراء المشركين واتخذ الشعر سلاحا فعالا له وظيفته الجمالية و الاخلاقية , لتشجيع الرسول الكريم لشعراء الدعوة واستماعه اليهم وتذوقه الشعر الصادق الجميل
...